فصل: الشاهد الثامن والأربعون بعد الثمانمائة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: خزانة الأدب وغاية الأرب (نسخة منقحة)



.فتح إفريقية وشؤونها.

ثم بلغ عبد المؤمن ما هي عليه أفريقية من اختلاف الأمراء واستطالة العرب عليها بالعيث والفساد وأنهم حاصروا مدينة القيروان وأن موسى بن يحيى الرياحي المرداسي دخل مدينة باجة وملكها فأجمع الرحلة إلى غزو أفريقية بعد أن شاور الشيخ أبا حفص وأبا إبراهيم وغيرهما من المشيخة فوافقوه وخرج من مراكش في أواخر سنة ست وأربعين وخمسمائة موريا بالجهاد حتى انتهى إلى سبتة واستوضح أحوال أهل الأندلس ثم رحل عن سبتة موريا بمراكش وأغذ السير إلى باجة فدخل الجزائر على حين غفلة وخرج إليه الحسن بن علي صاحب المهدية فصحبه واعترضه جيوش صنهاجة بأم العلو فهزمهم وصبح بجاية من الغد فدخلها وركب يحيى بن العزيز البحر في أسطولين كان أعدهما لذلك واحتمل فيهما ذخائره وأمواله وألحق بقسنطينة إلى أن نزل بعد ذلك منها على أمان عبد المؤمن واستقر بمراكش تحت الجراية والعناية إلى أن هلك رحمه الله.
ثم سرح عبد المؤمن عساكر الموحدين وعليهم ابنه عبد الله إلى القلعة وبها جوش بن عبد العزيز في جموع صنهاجة فاقتحمها واستلحم من كان بها منهم وأضرم النار في مساكنها وقتل جوش ويقال إن القتلى بها كانوا ثمانية عشر ألفا وامتلأت أيدي الموحدين من الغنائم والسبي وبلغ الخبر إلى العرب بأفريقية من الأثبج وزغبة ورياح وقسرة فعسكروا بظاهر باجة وتآمروا على الدفاع عن ملكهم يحيى بن العزيز وارتحلوا إلى سطيف وزحف إليه عبد الله بن عبد المؤمن في الموحدين الذين معه وكان عبد المؤمن قد قفل إلى المغرب ونزل متيجة فلما بلغه الخبر بعث المدد لابنه عبد الله والتقى الفريقان بسطيف واقتتلوا ثلاثا ثم انفضت جموع العرب واستلحموا وسبيت نساؤهم واكتسحت أموالهم وأسر أبناؤهم.
ورجع عبد المؤمن إلى مراكش سنة سبع وأربعين وخمسمائة ووفد عليه كبراء العرب من أهل أفريقية طائعين فوصلهم ورجعوا إلى قومهم وعقد على فاس لابنه السيد أبي الحسن واستوزر له يوسف بن سليمان وعقد على تلمسان لابنه السيد أبي حفص واستوزر له أبا محمد بن وانودين وعلى سبتة لابنه السيد أبي سعيد واستوزر له محمد بن سليمان وعلى بجاية للسيد أبي محمد عبد الله واستوزر له يخلف بن الحسين واختص ابنه أبا عبد الله بولاية عهده وتغير بذلك كله ضمائر عبد العزيز وعيسى أخوي المهدي فلحقا بمراكش مضمرين الغدر وأدخلوا بعض الأوغاد في شأنهم فوثبوا بعمر بن تافراكين وقتلوه بمكانه من القصبة ووصل على أثرهما الوزير أبو حفص بن عطية وعبد المؤمن على أثره فأطفآ نار تلك الثورة وقتل أخو المهدي ومن داخلهم فيها والله أعلم.

.فتح بقية الأندلس.

وبلغه بمراكش سنة تسع وأربعين وخمسمائة أن يحيى بن يغمور صاحب أشبيلية قتل أهل لبلة بما كان من غدر الوهبي لها وتقبل معذرتهم في ذلك فسخط يحيى بن يغمور وعزله عن أشبيلية بأبي محمد عبد الله بن أبي حفص بن علي التينمللي وعن قرطبة بأبي زيد بن بكيت وبعث عبد الله بن سليمان فجاء بابن يغمور معتقلا إلى الحضرة وألزمه منزله إلى أن بعثه مع ابنه السيد أبي حفص إلى تلمسان واستقام أمر الأندلس.
وخرج ميمون بن بدر اللمتوني عن غرناطة للموحدين فملكوها وأجاز إليها السيد أبا سعيد صاحب سبتة بعهد أبيه عبد المؤمن إليه بذلك ولحق الملثمون بمراكش ونازل السيد أبو سعيد مدينة المرية حتى نزل من كان بها من النصارى على الأمان وحضر لذلك الوزير أبو حفص بن عطية بعد أن أمدهم ابن مودهشي الثائر بشرق الأندلس والطاغية معه وعجزوا جميعا عن المدافعة ثم وفد أشياخ أشبيلية سنة إحدى وخمسين وخمسمائة ورغبوا من عبد المؤمن ولاية بعض أبنائه عليهم فعقد لابنه السيد أبي يعقوب عليها وافتتح أمره بمنازلة علي الوسيني الثائر بطبيرة ومعه الوزير أبو حفص بن عطية حتى استقام على الطاعة ثم استولى على عمل ابن وزير وابن قيسي واستنزل تاشفين اللمتوني من مرتلة سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة وكان والذي أمكن الملثمين منها ابن قيسي واستتم الفتح ورجع السيد إلى أشبيلية وانصرف أبو حفص بن عطية إلى مراكش فكانت فيها نكبته ومقتله واستوزر عبد المؤمن من بعده عبد السلام الكومي كان يمت إليه بذمة صهر لم يزل على وزارته والله أعلم.

.بقية فتح أفريقية.

لما بلغ عبد المؤمن سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة ما كان من إيقاع الطاغية بإبنه السيد أبي يعقوب بظاهر أشبيلية ومن استشهد من أشياخ الموحدين وحفاظهم ومن الثوار مثل ابن عزرون وابن الحجام نهض يريد الجهاد واحتلى سلا فبلغه انتقاض أفريقية وأهمه شأن النصارى بالمهدية فلما توافت العساكر بسلا استخلف الشيخ أبا حفص على المغرب وعقد ليوسف بن سليمان على مدينة فاس ونهض يغذ السير حتى نزل المهدية وبها من نصارى أهل صقلية فافتتحها صلحا سنة خمس وخمسين وخمسمائة واستنقذ جميع البلاد الساحلية مثل صفاقس وطرابلس من أيدي العدو.
وبعث ابنه عبد الله من مكان حصاره للمهدية إلى قابس فاستخلصها من يد بني كامل المتغلبين عليها من دهمان بعض بطون رياح واستخلص قفصة من يد بني الورد وورغة من يد بني بروكسن وطبرقة من يد ابن علال وجبل زغوان من يد بني حماد بن خلفة وشقبنارية من يد بني عباد بن نصر الله ومدينة الأربص من يد من ملكها من العرب حسبما ذلك مذكور في أخبار هؤلاء الثوار في دولة صنهاجة.
ولما استكمل الفتح وثنى عنانه إلى المغرب سنة ست وخمسين وخمسمائة بلغه أن الأعراب بأفريقية انتقضوا عليه فرجع إليهم عسكرا من الموحدين فنهضوا إلى القيروان وأوقعوا بالعرب وقتل كبيرهم محرز بن زياد الفارغي من بني علي إحدى بطون رياح والله تعالى أعلم.